بسم الله الرحمن الرحیم
بخشی از مناظره راجع به افلاطونگرایی در سایت باشگاه جوانان ایرانی
پست شخصی با نام کاربری freedom و پاسخ استاد
در اصل توسط hosyn نوشته شده است
بلی، این یک جورش است، محال عقلی هم دو جوره، فلاسفه نامش را میگذارند محال بالغیر، محال عقلی ذاتی که شما فرمودید مثال معروفش «دایره مربع» یا «تناقض» است، اما یک محال سیستمی داریم که آن هم محال عقلی است اما خودش را به صورت محال جلوه نمیدهد، مثلا آیا محال است که خدا دایرهای خلق کند که محیطش دقیقا سه برابر قطرش باشد؟ اینجا یک سیستم مطرح است، اگر بخواهید دایره داشته باشید نمیتوانید محطیش را دقیقا سه برابر محیطش قرار دهید، این هم محال عقلی است، فرقی نمیکند، اما ما به خدا میگوییم مگر خدا نیستی؟ پس قدرت مطلق داری، پس دایرهای خلق کن که محیطش مساوی سه باشد.
پشتوانه سیستم جهانی ماده/انرژی، تماما جهان ریاضی است، و ترسیم مختصات لحظهای فضازمان گیتی، بدون ریاضیات ممکن نیست، و بسیاری موارد ما دقیقا با یک محال عقلی روبرو هستیم، اما چون نظم ریاضی کلی را خبر نداریم، درخواست امر محال میکنیم، یعنی مواضع رواداری و تلورانس را از مواضع قالبی و فرمال تشخیص نمیدهیم، مثلا در یک زمینه، میتوان شعاع یک دایره را افزایش داد که همزمان محیطش هم افزایش پیدا میکند، اما در زمینه دیگر نمیتوان افزایش داد چون محیط نمیتواند افزایش پیدا کند و ناچار از دایره بودن خارج میشود. . |
2. پاسخ استاد
در اصل توسط Freedom1 نوشته شده است
این جهان بی درد و رنج و سراسر آسایش و ... که ما قاعدتا می تونیم انتظارش رو داشته باشیم، به نام بهشت معرفی شده و محال محسوب نشده. دست کم میشد انتظار جهانی داشت که اینقدر هم آشوب و خراب نباشه.
|
شرح التلویحات اللوحیة، ص 394
[في كيفية «العناية» و صدور المخلوقات عن المبادئ العالية] قال: و هذا النظام الموجود في العالم فلا يصدر على جزاف: ففي المبادئ العلوية العقلية تمثّل صورتها ، إذ يمكن على العقول التصوّر و التمثّل؛ فعلوم المبادئ بكيفية نظام الكلّ، و ما يجب أن يكون عليه هو «العناية». و في الأوّل لا تزيد على ذاته و عدم غيبته عن ذاته و لوازمها. و فى العقول يجوز أن يكون نقشا زائدا معلّلا بالتجرد عن المادة و عدم الحجاب بينها و بين لوازمها و مبادئها و إمكان الانتقاش. و نقوش العقول أيضا حاضرة له تعالى، و كذا نقوش نفوس الأفلاك بالنسبة إلى ما فوقها؛ فكلّ سافل نسبة حضور نقشه إلى ما فوقه كما عرفت من حضور الصور الخياليّة للنفس، فافهم و عمّم الإحاطة الإلهيّة كذا. و لو عدلت إلى غير هذه الطريقة في العلم لكثّرت الحقّ تكثيرا. و اعلم أنّ الذي هو الوجود المحض و ماهيته وجوده الذي لا أتمّ منه، لا يعرفه كما هو إلاّ هو؛ وَ لاٰ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً؛ وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ؛ فسبحانه، سبحانه، لاٰ تُدْرِكُهُ الْأَبْصٰارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصٰارَ .
أقول: إنّ حسن النظام المشاهد في عالم الكون و الفساد، لا يجوز أن يصدر على سبيل الاتّفاق و الجزاف، و لا عن قصد و إرادة لنفع السافل كما علمت، و لا بحسب طبيعة لا شعور لها؛ فوجب أن ينظر أنّه كيف يمكن صدوره عن المبادئ العالية:
المظاهر الالهیة، ص 20-23
المظهر الثّاني في إثبات وجوده - تعالى - (شَهِدَ اللّٰهُ أَنَّهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ) اعلم أنّ السالكين الذين يستدلّون بوجود الآثار على الصفات، و من الصفات على الذات، لهم طرق كثيرة، أجودها طريقان: أحدهما معرفة النفس الإنسانية: (وَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلاٰ) تُبْصِرُونَ) . هذا أجود الطرق، بعد طريق الصدّيقين. و ثانيهما النظر في الآفاق و الأنفس؛ كما أشار إليه بقوله - تعالى -: (سَنُرِيهِمْ آيٰاتِنٰا فِي الْآفٰاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) . و في القرآن آيات كثيرة في هذا المنهج، و لهذا مدح اللّه الناظرين في خلق السماوات و الأرض و أثنى على المتفكّرين في آثار صنعه وجوده . و لإثبات هذا المطلب منهج آخر، و هو الاستدلال على ذاته بذاته ؛ و ذلك لأنّ أظهر الأشياء هو طبيعة الوجود المطلق - بما هو وجود مطلق -، و هو نفس حقيقة الواجب - تعالى -، و ليس من الأشياء - غير الحقّ الأول - نفس حقيقة الوجود؛ فيثبت من ذلك إثبات المبدأ الأعلى و الغاية القصوى. و الحقّ أنّ معرفة وجود الواجب أمر فطري، لا يحتاج إلى برهان و بيان؛ فإنّ العبد عند الوقوع في الأهوال و صعاب الأحوال يتوكّل بحسب الجبلّة على اللّه - تعالى - و يتوجّه توجها غريزيّا إلى مسبّب الأسباب و مسهّل الأمور الصعاب و إن لم يتفطّن لذلك، و لذلك ترى أكثر العرفاء مستدلّين على إثبات وجوده و تدبيره للمخلوقات بالحالة المشاهدة عند الوقوع في الأمور الهائلة - كالغرق و الحرق . و في الكلام الإلهي - أيضا - إشارة إلى هذا. فما أضلّت الدهريّة و الطباعيّة و البختيّة و إخوان الشياطين! الذين يتشبّهون بالعلماء و يكذّبون أنبياء اللّه و يزعمون أنّ العالم قديم و لا قيّم له؛ فمثواهم الجحيم و جزاؤهم البعد عن النعیم
الحکمة المتعالیة، ج 7، ص 118-124
الفصل (11) في نبذ من آثار حكمته تعالى و عنايته في خلق السماوات و الأرض
و اعلم أن أفاضل البشر قاصرون عن إدراك حقائق الأمور السماوية و الأرضية على وجهها و عن الإحاطة بدقائق الصنعة و عجائب الفطرة و آثار العناية و الحكمة التي فيها بل الأكثرون عاجزون عن إدراك حقيقة النفس التي هي ذات الشخص و تفاصيل أحوالها و سريان قوتها في آلات البدن و حواسه و أعضائه و كيفية ترتيب الأعضاء و أشكالها و أوضاعها و أجزائها و منافع كل واحد واحد منها و أحوالها و أفعالها و غاية كل فعل فإن الذي تفطن به المشرحون و لاح لهم بقوة الفكر شيء قليل لا نسبة له إلى ما ذهلوا عنها من الدقائق و العجائب و الحكم في صنع الباري فيها فإذا كانت إحاطة الإنسان بنفسه و بدنه على ما ينبغي متعذرة فكيف يكون الإحاطة بما في العالم الجسماني و الروحاني ممكنة و أكثره لا يمكننا الاطلاع على حقيقة وجوده فضلا عن إدراك حقائق جميع الموجودات إلا أنا مع هذا العجز الموجود في الطبع و نحن في عالم الغربة لا بد أن نتأمّل - و نتفكر في عجائب الخلقة و بدائع الفطرة امتثالا لقوله تعالى أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِم و قوله أَ وَ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ مٰا خَلَقَ اللّٰهُ مِنْ شَيْءٍ وَ أَنْ عَسىٰ أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ و قوله إن في خلق السماوات و الأرض لآيات للمؤمنين و قوله أَ فَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمٰاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنٰاهٰا وَ زَيَّنّٰاهٰا وَ مٰا لَهٰا مِنْ فُرُوجٍ وَ الْأَرْضَ مَدَدْنٰاهٰا وَ أَلْقَيْنٰا فِيهٰا رَوٰاسِيَ وَ أَنْبَتْنٰا فِيهٰا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَ ذِكْرىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ و لما وقع منه تعالى من مدح المتفكرين فيها فقال - يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ الآية و ذم المعرضين عن النظر و التأمل كما قال تعالى وَ كَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهٰا وَ هُمْ عَنْهٰا مُعْرِضُونَ و قال وَيْلٌ لِكُلِّ أَفّٰاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيٰاتِ اللّٰهِ تُتْلىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهٰا فَبَشِّرْهُ بِعَذٰابٍ أَلِيمٍ فلا بد من ذكر أنموذج من الحكمة الموجودة في العالم الجسماني و تناسب أوضاعه و حسن انتظامه ليستدل بها على عظمة المبدع و سعة رحمته و فخامة جوده و لطف عناية.
فنقول انظر أيها الذكي الفهم المتفكر في صنع الله المتدبر في آيات كتابه أن مبدع الأشياء لما كان غير متناهي القوة و القدرة على إفادة الخير و الرحمة فلم يجز وقوف رحمته - و فضله عند حد لا يتجاوزه فيبقى بعد ذلك الإمكان غير المتناهي من غير أن يخرج من القوة إلى الفعل و من مكمن الخفاء إلى مجلى الظهور و ذلك ممتنع جدا و لكن لما امتنع صدور غير المتناهي من الأكوان مجتمعا لا متفرقا و دفعيا لا متدرجا لنهوض البراهين عليه فبالضرورة لا يمكن ذلك إلا على سبيل التعاقب و الافتراق فلا جرم وجب أن يكون من صنع الله وجود جوهر بواسطته يستصح صدور المحدثات و المتجددات عنه تعالى - لتقدسه عن التغير و لا بد أن يكون ذلك الجوهر ذا قوة غير متناهية في الانفعال على وجه الإمداد من الغير كأن الواجب جل ذكره ذو قوة غير متناهية في الفعل على وجه الاستقلال ثم لما كان تجدد الحوادث بتوارد الاستعدادات متوقفا على أمر متجدد بالطبع حادث بالذات ليصير تجدده و حدوثه الذاتيين منشأين لحدوث الحادثات و تغير المتغيرات - و ارتباط الحوادث بالمبدع القديم المرتفع ذاته عن الأزمنة و الحركات فأفاد بفضل جوده أجراما كريمة نورية متجددة الطبائع دائمة الحركات النفسانية و الطبيعية و الوضعية لأغراض علوية نفسانية و غايات حكمية عقلية هي العلة لإفاضات أنوار حسية و أضواء صورية بها يقع استعدادات مادية غير متناهية تلحق من فاعل غير متناهي التأثير إلى قابل غير متناهي القبول ليوجب ذلك إفاضة الخيرات و فتح أبواب البركات على الدوام من غير انقطاع كما في قوله تعالى وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّٰهِ لاٰ تُحْصُوهٰا و إذا لم يكن الفاعل القيوم على الغيب بضنين فيحصل الفيض منه على كل قابل مستعد بحسب استعداده حتى أن النمل الصغار و الضب و السوسمار مع حقارتها لو كانت مستعدة لقبول نفس ناطقة وجب أن يفاض عليها.
و قد علمت أن أشرف ما يتعلق بالهيولى و الأجسام إنما هي النفوس الناطقة التي لا يمكن خروج جميع ما يمكن منها من القوة إلى الفعل دفعة واحدة لا مع الأبدان لاستلزامه لا تناهي الأبعاد و الأجرام و لا بدونها لكونها متعلقة الذوات بها حدوثا فبحسب استعداد الهيولى استعدادات غير متناهية في الأدوار و الأكوار يقبل فيض النفوس من العقل المفارق إلى غير النهاية ثم يرجع منها ما كملت إلى العالم العقلي و الوطن الأصلي و ما لم تكمل تلبث في بعض طبقات البرازخ و المقابر المثالية أزمانا طويلة أو قصيرة - و أحقابا كثيرة أو قليلة بحسب كثافة الحجاب و رقته و بحسب كثرة الجرائم و قلتها.
ثم انظر أيها المتأمل الطالب لمعرفة الله و ملكوته من ملاحظة أحوال العلويات و أوضاعها لانتفاع السفليات من أنها لو كانت كلها نيرات لأفسدت بإحراق أضوائها مواد الكائنات كلها و لو كانت عرية عن النور بالكلية لبقي ما دون الفلك في ظلمة شديدة و ليل مظلم طويل لا أوحش منه و كذا لو ثبت أنوارها أو لازمت دائرة واحدة - لأثرت بإفراط فيما قابلها و تفريط فيما وراء ذلك و لو لم يكن لها حركة سريعة لفعلت ما يفعله السكون و اللزوم و لو لم يجعل الأنوار الكوكبية ذوات حركة سريعة مشتركة و أخرى بطيئة مختصة و لم يجعل دوائر الحركات البطيئة مائلة عن مدار الحركة السريعة لما مالت إلى النواحي شمالا و جنوبا فلم تنتشر منافعها على بقاع الأرض و لو لا أن حركة الشمس خصوصا على هذا المنوال من تخالف سمتها لسمت الحركة السريعة لما حصلت الفصول الأربعة التي بها يقع الكون و الفساد و يصلح أمزجة البقاع و البلاد و إلى هذا المعنى أشار الكتاب الإلهي قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللّٰهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلىٰ يَوْمِ اَلْقِيٰامَةِ مَنْ إِلٰهٌ غَيْرُ اللّٰهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيٰاءٍ الآية ثم قال قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللّٰهُ عَلَيْكُمُ النَّهٰارَ سَرْمَداً - إِلىٰ يَوْمِ الْقِيٰامَةِ مَنْ إِلٰهٌ غَيْرُ اللّٰهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَ فَلاٰ تُبْصِرُونَ .
و لما كان القمر نائبا للشمس خليفة لها في النضج و التحليل إذا كان قوي النور جعل مجراه يخالف مجراها في الصيف و الشتاء شمالا و جنوبا فالشمس تكون في الشتاء جنوبية و القمر شماليا لئلا ينعدم السببان و في الصيف بعكس ذلك لئلا يجتمع المسخنان - و لما كانت الشمس شمالية الحركة صيفا جنوبيتها شتاء جعل أوجها أعني أبعد إبعادها عن الأرض في الشمال و حضيضها و هو أقرب إبعادها في الجنوب ليخبر قرب الميل ببعد المسافة لئلا يشتد التسخين و التنوير و ينكسر بعد الميل بقربها لئلا يضعف القوة المسخنة عن التأثير فانظر كيف جعل الكواكب مع حركة الكل السريعة حركات أخرى بطيئة - تميل بها إلى شمال و جنوب على مدارات متفاوتة في العظم و الصغر و السرعة و البطوء و القرب و البعد من الأرض بحسب أوجائها و حضيضاتها و لأجل اختلاف أحوالها المنفعة الكائنات و غرض النظام قال الله تعالى وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومَ مُسَخَّرٰاتٍ بِأَمْرِهِ أي بما يقتضي حركاتها طالعة و غاربة و شمالية تارة و جنوبية أخرى و كذلك أوجيه مرة و حضيضيه أخرى و غير ذلك من أحوال الكواكب كالرجوع و الإقامة و الاستقامة و كونها في بيوتها التي لها و وبالها و شرفها و هبوطها و كونها بطبيعة كل برج وقعت فيه من الثابتة و المنقلبة و ذوات الجسدين و أمثال ذلك مما هو مذكور في كتب الأحكاميين على الإجمال - و لا يحيط بتفاصيله إلا الباري جل ذكره و ملائكته المقربين الذي هم الأنوار العقلية و الأشعة الإلهية.
ثم أ ما تأملت أيها الناظر البصير في ملكوت السماوات و ما فيها من خلق أرواح الأفلاك و نفوس الكواكب و قوام جوهرها و إشراق نورها و طاعتها للباري و دءوبها في الحركات على الدوام عشقا و شوقا إلى بارئها و مبدعها. ثم من عجائب الحكمة و غرائب اللطف و الرحمة حسن ترتيب العناصر و جعل الأرض في وسط الكل لمناسبة الكثافة و الظلمة للبعد عن أفق النور و لأنها لو كانت مجاورة للأجرام العلوية لاحترقت بشدة تسخين الحركة الدائمة و لأنها على تقدير بقائها هناك - ما كان يمكن أن يتكون عليها حيوان و لا ينبت منها نبات و جعل النار مجاورة للفلك لمناسبة اللطافة و النورية و لو جاوره غيرها من العناصر تسخن بدوام حركته - فصار نارا و انضم إليها تسخين النار فاحترقت باقي العناصر و صار الكل نارا فانفسد الجميع و لما كانت العناية الأزلية اقتضت وجود نفوس ناطقة و غير ناطقة احتاجت إلى أبدان حيوانية و نباتية يغلب على أكثرها العنصر اليابس الذي بيبسه تتحفظ الصور و الأشكال - وجب أن يكون الأرض باردة يابسة متماسكة الأجزاء ليجاورها الحيوان و النبات الغالب عليهما عنصرها و يجب أيضا لما ذكرنا من الحكمة أن لا يكون الماء محيطا بالأرض إحاطة تامة لاحتياج أكثر الحيوان و النبات لاستنشاق الهواء و جذبه ثم جعل الهواء مجاورا للنار لمناسبتها في الحر و الميعان و جعل الماء متوسطا بين الهواء و الأرض - لمناسبة الهواء في الميعان و مناسبة الأرض في البرد لئلا يبطل العدل. ثم انظر لو لم يكن طبقات الأجرام التي فوق الأرض من العناصر و الأفلاك شفافة بل ملونة لوقفت أضواء الكواكب على سطوحها أو انعكست إلى ما فوقها و ما وصلت إلى عالم الكون و الفساد فبقي أهل هاوية الهيولى في ظلمة لا أوحش منها فجعلت الكواكب مضيئة - و الأفلاك و باقي العناصر شفافة و لو كانت العناصر كلها قابلة للنور اشتد الحر فيها و قوي إلى حد - يؤدي إلى إحراق ما في هذا العالم كله
الفصل (12) في ذكر أنموذج من آثار عنايته في خلق المركبات
أ لم تر يا عارف إلى ربك كيف خلق للعنصريات حرارة هي محللة ملطفة محركة - و برودة مسكنة غاقدة و رطوبة قابلة للتشكل و التقسيم و يبوسة حافظة لما أفيد من التصوير و التقويم و كيف ركب المواليد من امتزاج كيفيات العناصر و أعد لكل كمال مزاجا خاصا و أفاض على كل مستعد ما يستحقه من الكمال و لم يقتصر له على هذا بل زاده من الإفضال ما يهتدي به إلى الثواني من الكمالات و الغايات و بذلك يقع الارتفاع في القوس الصعودي إلى الدرجات و لذلك قال رَبُّنَا الَّذِي أَعْطىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدىٰ فانظر لما كانت أجساد النبات و الحيوان لم يحصل إلا و يلزمها قبول التحليل كيف رتب لها قوة غاذية متصرفة للغذاء بالهضم و الإحاطة إلى شبيه جوهر المغتذي و لما لم يمكن حصول الحيوانات و النباتات على كمالها المقداري أول مرة كيف أودع فيها قوة نامية موجبة لزيادة أقطار المغتذي في الجوانب على نسبة مضبوطة تليق بها. ثم ابتهج يا عارف و اذكر رحمة ربك و تزمزم في عشق جماله بالتسبيح و التهليل - بأن القسمة لما أوجبت باقيات بالشخص و باقيات لا بالشخص كيف تمم جود الواهب الحق نقصان الديمومة العددية بإعطاء الديمومة النوعية فأوفى لكل منهما قسطه من الوجود و نصيبه من الدوام فصار العالم الطبيعي منتظما بصنفي الثبات و البقاء - فانظر في أحوال ما لا يحصل غالبا من النبات و الحيوان إلا بالتوالد كيف استبقى نوع ما وجب فساد شخصه بقوة مولدة مودعة في أعضاء التوليد قاطعة لفضله من مادة هي مبدأ الشخص الآخر. ثم انظر كيف خلق لمن كانت أفعاله بالاختيار لا بالطبيعة و الاضطرار شهوة الغذاء و لذة الوقاع كالأجير الذي لا يفعل فعله إلا بالأجرة فهذه الشهوة التي تكون لقوى نفس الحيوان لصدور هذه الأفاعيل التي يتوقف عليها بقاء الشخص و النوع من هذه الأبدان - بمنزلة الأجرة للأجير و الجعالة و الرشوة للخدم و الأعوان كيلا يقع الذهول و الإعراض عن إيقاع هذه الأغراض. ثم انظر كيف رتب للغاذية خوادم من قوى أربع جاذبة تأتيها بما يتصرف فيه - و هاضمة محللة للغذاء معدة إياها لتصرف الغاذية و ماسكة لحفظها مدة لتصرف المتصرف فيها - بالإحالة و الطبخ و دافعة لما لا يقبل المشابهة.
ثم انظر كيف رتب للحيوان لكونه أشرف من النبات قوى أخرى من مدركة و محركة لأن نفسه دراكة مختارة في حركاتها البدنية و النفسانية و زاد البدن الإنساني لكون مزاجه أشرف كلمة روحانية إذا أطاعت أمر ربها و كلمت بالعلم و العمل صعدت إلى عالم الملكوت و قربت من مبدإها بقطع علائق الناسوت و شابهت الملإ الأعلى و أهل عالم الجبروت و لو تدبرت تدبرا شافيا في كيفية تدبير النفس للبدن و حصول الألفة و العلاقة و شوق التصرف و التحريك و عشق المقارنة و ألم المفارقة بينهما مع أن البدن كالثقل الكثيف - و النفس كالنور اللطيف لقضيت العجب و قلت كيف يتصور الازدواج بين النور و الظلمة و الايتلاف بين المجرد و المادي و بين العلوي الذي قال تعالى تعظيما لشأنه - وَ رَفَعْنٰاهُ مَكٰاناً عَلِيًّا و قال إِنَّ كِتٰابَ الْأَبْرٰارِ لَفِي عِلِّيِّينَ و السفلي المشار إليه بقوله إِنَّ كِتٰابَ الفُجّٰارِ لَفِي سِجِّينٍ إذ بينهما من المخالفة و المنافرة في الماهية ما لا يخفى على صاحب الروية و جل الخلق بل كلهم إلا النادر منهم غافلون بل منكرون لهذه الارتباط و الاتحاد بينهما حتى أنكر أكثر المنتسبين إلى العلم تجرد النفس و ظن جمهور القائلين تجردها أن إنسانية الإنسان بصورة أخرى نوعية منطبعة في البدن يتحصل منهما حقيقة الإنسان و أما المشار إليه بأنا فهو المسمى بالنفس الناطقة و لها إضافة عارضة شوقية بالقياس إلى البدن لأنه موضوع أفاعيلها الجسمانية و هؤلاء بمعزل عندنا عن معرفة النفس و مقاماتها في الهبوط و الصعود - حسبما قررنا سابقا من أنها هي الجوهر المغتذي النامي المتحرك الساكن الآكل الشارب اللامس الشام الذائق فانظر في حكمة الصانع كيف كثف اللطيف لا بل لطف الكثيف بحسن تدبير فخلق من زبدة العناصر البدن الكثيف المخلوق من مادة النطفة
و من لطافته و زبدته خلق القلب الصنوبري و من لطافة الدم الخالص و من صفوته الروح البخاري النابع في العضو الرئيس الذي هو في النقاء و الصفاء كالفلك البعيد عن التضاد و لاعتداله و توسطه بين الأضداد مع جامعية لكيفيات الأطراف يشبه السبع الشداد و لنوره و ضيائه كالكواكب اللامعة على الأبصار و لأجل صفائه و صقاله صار مرآة تتلألأ فيها الصور العينية و يتجلى فيها المثل المحسوسة التي هي واسطة بين العالمين فهو كأنه موضع للنفس متحد بها عند ما خرج جوهره من قوته النفسية إلى العقل كما أن النفس مادة للعقل و متحدة به عند ما خرج جوهر ذاتها من القوة العلية إلى الفعل فذلك الجوهر مرآة يتجلى فيها النفس و النفس مرآة يتجلى فيها العقل و الإنسان قد تطور في ذاته بهذه الأطوار - و تبدلت عليه هذه النشئات من حد النطفة إلى حد العقل شيئا فشيئا على التدريج ففيه الملك و الملكوت و هو جامع الكونين ففيه شيء كالفلك و هو مرآة يدرك بها الصور الجزئية الغائبة و الحاضرة و شيئا كالملك و هو مرآة يدرك بها الحقائق الكلية الثابتة فانظر إلى القدرة و الحكمة ثم إلى اللطف و الرحمة تبهرك عجائب الحضرة الربوبية و إن أردت زيادة شرح و إيضاح فاستمع
الفصل (13) في آيات حكمته و عنايته في خلق الإنسان
الإنسان مخلوق أول خلقه من أخس الأشياء و أنقص المواد و أضعف الأجساد - لأنه مكون من القوة الهيولانية و هي كالشيء ثم من التراب المظلم و الطين اللازب ثم من النطفة و أشير في الكتاب الإلهي إلى المرتبة الأولى للإنسان بقوله تعالى هَلْ أَتىٰ عَلَى الْإِنْسٰانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً و إلى المرتبة الثانية و الثالثة بقوله تعالى إِنّٰا خَلَقْنَا الْإِنْسٰانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشٰاجٍ نَبْتَلِيهِ و بقوله هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرٰابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ و بعد هذا المنازل و المراتب يتكون له القوى النباتية و الأعضاء الإلهية لها - ثم يدخلها في باب الحيوانية لقوله فَجَعَلْنٰاهُ سَمِيعاً بَصِيراً ثم يتدرج له الكون إلى أن يحدث له الأكوان الحيوانية كلها التي أولها قوة المس و آخرها قوة الوهم ثم ينشأ فيه خلق آخر كما قال تعالى ثُمَّ أَنْشَأْنٰاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبٰارَكَ اللّٰهُ أَحْسَنُ الْخٰالِقِينَ . فانظر أيها الناظر في علوم آفاق و الأنفس إلى النطفة و هي مائية قذرة لو تركت ساعة لفسد مزاجها كيف أخرجها رب الأرباب من بين الصلب و الترائب و حفظها عن التلاشي و الافتراق ثم جعلها في قرار مكين ثم جعلها و هي بيضاء علقة حمراء ثم جعلها مضغة ثم انظر كيف قسم أجزاء النطفة و هي متشابهة إلى العظام و الأعصاب و العروق و الأوتار و اللحوم و غيرها من الأعضاء البسيطة ثم كيف ركب من هذه الأعضاء البسيطة الأعضاء المركبة من الرأس و اليد و الرجل و غيرها و شكلها بأشكال مختلفة مناسبة لأفاعيلها كما يستعلم من قواعد علم التشريح و غيره ثم خلق هذا كله في جوف الرحم في ظلمات ثلاث و لو كشف الغطاء عنك و امتد البصر منك إليها لكنت ترى التخاطيط و التصاوير يظهر عليها شيئا فشيئا و لا ترى آلته فسبحان من مصور فاعل للنقوش و التصاوير لا يرى في تصويره آلة و لا إصبع - ثم إذا بلغ في تدرجه في الاستكمال إلى جذب الغذاء و فعل النماء أفاض عليها صورة نباتية لها خوادم من قوى كثيرة توكل عليها ملائكة يتمشى بهم ما يرجع إلى الغذاء و النماء فانظر كيف وكل الله الملائكة بك في انتظام أمورك حتى في أمر غذائك فإن أهل المكاشفة قد رأوا ببصائر قلوبهم أن كل جزء من أعضاء بدنك لا يغتذي إلا بأن يوكل الله به سبعة من الملائكة هذا هو الأقل إلى عشرة إلى مائة إلى ألف أو يزيدون و ذلك لأن معنى التغذي أن يقوم جزء من الغذاء مقام جزء قد تلف و ذلك بعد أن يتغير تغيرات - يصير دما في آخر الأمر ثم لحما و عظما. ثم إن الغذاء جسم لا يتحرك بطبعه و لا يتغير بنفسه في أطوار الخلقة كما أن البر لا يصير طحينا ثم منخولا ثم عجينا ثم خبزا مستديرا مطبوخا إلا بصناعة صناع و الصناع في الباطن إذا كانت للصنع غاية حكمية هم الملائكة كما أن الصناع في الظاهر هم أهل المدينة و قد أسبغ الله عليكم نعمه ظاهرة و باطنة و الناس غافلون عن نعمة الباطنة و العارف يعلم أنه لا بد من ملائكة سبعة أحدهم جاذب للغذاء إلى الأعضاء و الآخر ممسك له في جوار العضو و الثالث يخلع عنه صورته السابقة فيخلع صورة الدم و الرابع يكسوه صورة اللحم و العظم و غيرهما و الخامس يدفع الفضل الزائد و السادس يلصق ما اكتسى كسوة اللحم باللحم و ما اكتسى كسوة العظم بالعظم حتى لا يكون منفصلا و السابع يرعى المقادير و النسب في الإلصاق. فإن قلت فهلا فوضت هذه الأفعال إلى ملك واحد و لم احتيجت إلى سبعة أملاك - و الحنطة أيضا يحتاج إلى طاحن و نخال ثانيا و صاب للماء إليه ثالثا و عاجن له رابعا و إلى قاطع له كرات مدورة خامسا و إلى مرقق له رغفانا عريضة سادسا و إلى من يلصقها بالتنور سابعا فهلا كانت أفعال الملائكة باطنا كأفعال الإنس ظاهرا. قلنا يجب عليك أن تعلم أن خلقة الملائكة تخالف خلقة الإنس لأن وجودهم وجود صوري بسيط من غير اختلاط تركيبي و لا تزاحم بين أفعالهم كما لا تزاحم بين صفاتهم و ذواتهم و لا يكون لكل منهم إلا فعل واحد و إليه الإشارة بقوله تعالى وَ مٰا مِنّٰا إِلاّٰ لَهُ مَقٰامٌ مَعْلُومٌ فلذلك ليس بينهم تناقش و تقاتل و لا تزاحم و لا تضاد في فعل أو صفة بل مثالهم في تعيين مرتبة كل منهم و فعله مثال الحواس منا فإن البصر لا يزاحم السمع في فعله و هو إدراك الأصوات و لا الشم يزاحمها في إدراك الروائح و لا هما يزاحمان الشم و لا الذوق و لا غير ذلك يزاحم بعضها بعضا و ليست هي كالأعضاء مثل اليد و الرجل فإن أصابع الرجل قد تبطش بطشا ضعيفا و رأينا إنسانا يكتب بأصابع رجله و آخر يمشي بيديه و قد تضرب غيرك برأسك فيزاحم به اليد التي هي آلة الضرب و لا كالإنسان الواحد الذي - يتولى بنفسه الطحن و العجن و الخبز و هذا نوع من الاعوجاج و العدول عن العدل - سببه اختلاف صفات الإنسان و اختلاف دواعيه فلم يكن وحداني الفعل و لذلك يرى الإنسان يعصي الله مرة و يطيعه أخرى و ذلك غير ممكن في طباع الملائكة لأنهم مجبولون على الطاعة لا مجال للمعصية في حقهم فلا جرم لاٰ يَعْصُونَ اللّٰهَ مٰا أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ مٰا يُؤْمَرُونَ و يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهٰارَ لاٰ يَفْتُرُونَ و الراكع منهم راكع أبدا و الساجد منهم ساجد أبدا و القائم منهم قائم أبدا.
...و لنرجع إلى ما كنا بصدده فنقول قد امتاز الإنسان بهذه الصورة النباتية و الأعوان الذين خلقهم الله لإفادة التغذية - و التوليد من الأجساد المعدنية فصار أكمل وجودا من الحجر و البلور و الحديد و النحاس و الذهب و الفضة و غيرها إلا أن صورة النبات مع هذا الكمال ناقص - فإنه ربما لم يصل إليه غذاء ينساق إليه و يماس أصله فجف و يبس إذ لم يمكنه طلب الغذاء - و المشي إليه من الموضع الذي فيه إلى موضع آخر فإن الطلب إنما يكون بشيئين معرفة و قدرة و هما مفقودتان عنه فلو وقف وجود الإنسان في هذه الدرجة لكان ناقصا عاجزا في خلقته و فعله فانظر كيف رفعه الله عن هذا المنزل بصورة أخرى امتاز بها عن النباتات - و ارتفع وجوده عن وجود الهاويات الساكنات و قرب بخطوة أخرى إلى رب الأرباب - و معدن الأنوار عن قعر عالم الظلمات بأن خلق له آلة الإحساس و آلة الحركة الاختيارية - في طلب الغذاء و هما المشار إليهما في الكتاب فَجَعَلْنٰاهُ سَمِيعاً بَصِيراً إِنّٰا هَدَيْنٰاهُ السَّبِيلَ إِمّٰا شٰاكِراً وَ إِمّٰا كَفُوراً . ثم انظر إلى ترتيب حكمة الله في خلق الحواس الخمس فأولها اللمس و هذا أنقص درجات الحس فإنه الشعور بما يلامس الحيوان و يلاصقه لا بما يبعد منه فإن الشعور بما يبعد منه - يحتاج إلى حاسة أقوى و أتم و هذا يعم الحيوانات كلها و لدناءة بعض الحيوانات القريب المنزلة من النبات كالدود التي في الطين يقتصر على هذا و لا يقدر على طلب الغذاء فلو لم يخلق فيك إلا هذا الحس لكنت ناقصا كالدود فافتقرت إلى حس آخر لإدراك البعيد فخلق لك الشم إلا أنك لا تدري به أن الرائحة من أي ناحية جاءت لتطلب بها ذي الرائحة فتطوف كثيرا حتى تظفر به فأنعم الله عليك بحاسة البصر لكن لا تدرك بها ما يحتجب بجدار أو حائل آخر و أيضا لا تدرك بها إلا ما هو الموجود الحاضر و أما الغائب فلا يمكنك معرفته إلا بكلام و إعلام يدرك بحس السمع فاشتدت حاجتك إليه فانظر كيف أنعم عليك و ميزك بفهم الكلام عن سائر الحيوان و كل ذلك ما يغنيك لو لم يكن لك حس الذوق إذ يصل إليك الغذاء فلا تدرك أنه موافق أو مخالف فتأكله فتهلك كالشجرة ربما يصب في أصلها ما هو سبب جفافها و لا ذوق لها فتجذبه فتجف ثم جميع ذلك لا يكفي في الاستكمال و لا يتم به الحياة الإنسانية لو لم يكن لك إدراك باطني يتأدى إليه صور المحسوسات الخمس للتحفظ و التذكر و إلا لطال عليك الأمر في معرفة الأشياء المحسوسة لو لم يكن صورتها محفوظة عندك فأنعم الله عليك بمشاعر أخرى باطنة لتحفظ بها صورة ما تحسه و تذكرها متى شئت و تتصرف فيها و هذا كله يشاركك فيه الحيوانات - و لو لم يكن لك إلا هذا لكنت ناقصا لعدم إدراك عواقب الأمور و غاياتها العقلية فميزك الله و فضلك على كثير من خلقه تفضيلا و شرفك تشريفا بقوة أخرى هي قوة العقل تدرك مضرة الضار و منفعة النافع في المال و تدرك الخيرات الحقيقية و الشرور الآجلة فهذا أنموذج في بيان ما أنعم الله عليك في باب الإدراك و أما بيان ما أنعمه عليك من القوى المحركة التي هي طائفة أخرى من جنود الله - و كيفية نظمها و ترتيبها فيك فهو أنه لو خلق المشاعر و المدارك حتى تدرك بها الأمور التي لها مدخل في استكمالك و حفظ بقائك ما دمت في الدنيا من أسباب التغذية و غيرها - حتى تدركها من بعد أو قرب و لم يخلق لك ميل في الطبع و شهوة له و شوق إليه يستحثك على الحركة ثم قدرة في آلات البدن يتحرك إليه لكان الإدراك معطلا فاضطررت إلى أن يكون لك ميل إلى ما يوافقك يسمى شهوة و نفرة عما يخالفك يسمى كراهة فخلق فيك شهوة الغذاء لبقاء شخصك و شهوة النكاح لبقاء نوعك و وكلها بك كالمتقاضي يلجئك - إلى تناول الغذاء و غيره. ثم هذه الشهوة لو لم تسكن إذا حصل مقدار الحاجة من المشتهي و المرغوب فيه لأسرفت و أهلكت نفسك فخلق الله لك الكراهة عند الشبع و نحوه لتترك الفعل كالأكل و نحوه لا كالزرع فإنه لا يزال تجتذب الماء إذا انصب في أسافله حتى يفسد فيحتاج إلى آدمي يقدر غذاءه بقدر الحاجة. ثم إنك قد علمت أن لك قوة طبيعية بها تشارك النبات و هي منبثة في جميع البدن منبعها الكبد و قوة أخرى تشارك بها الحيوان منبثة في الأعضاء تشارك بها الحيوان كله و منبعها القلب و قوة أخرى نفسانية أخص منها تشارك بها بعض الحيوان منبعها الدماغ - و أخرى أشرف مما سبق كله لا تشارك بها الحيوان بل الملائكة فقط فأعطاك الله بحسب كل منها أخذا و تركا للمنافع و المضار فاللذان بحسب القوة الأولى يسميان بالجذب و الدفع و اللذان بحسب القوة الثانية يسميان بالميل و النفرة و اللذان بحسب القوة الثالثة يسميان بالشهوة و الغضب و اللذان بحسب القوة الرابعة يسميان بالإرادة و الكراهة فخلقهما الله فيك مسخرتين تحت إشارة العقل المعرف للعواقب كما خلق الشهوة و الغضب مسخرتين تحت إدراك الحس فتم بهما انتفاعك بالعقل إذ مجرد المعرفة - بأن هذا يضرك و هذا ينفعك لا يكفي في الاحتراز عنه أو في طلبه ما لم يكن لك إرادة بموجب المعرفة أو كراهة و بهذه الإرادة أفردك الله عن البهائم إكراما و تعظيما لبني آدم كما أفردك عنها بمعرفة العواقب
الفصل (14) في عنايته تعالى في خلق الأرض و ما عليها لينتفع بها الإنسان
قال سبحانه خَلَقَ لَكُمْ مٰا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فإذا عرفت العناية الإلهية في نفسك و بدنك فانظر إلى آثار رحمته عليك بما هو خارج عنك و أقرب الخارجيات إليك ما تستقر عليه فانظر إلى صورة الأرض التي هي مقر جسدك و أم بدنك الذي كان في بطنها أولا ثم تولد منها ثم يعود إلى بطنها تارة أخرى - كما قال تعالى مِنْهٰا خَلَقْنٰاكُمْ وَ فِيهٰا نُعِيدُكُمْ وَ مِنْهٰا نُخْرِجُكُمْ تٰارَةً أُخْرىٰ ثم انظر إلى منافعها. منها كونها فراشا و مهادا لتسكن إليها و تنام عليها و بساطا لتسلك فيها كما قال تعالى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرٰاشاً و قال وَ اللّٰهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسٰاطاً لِتَسْلُكُوا مِنْهٰا سُبُلاً فِجٰاجاً و ليس من ضروريات الافتراش أن يكون سطحا مستويا بل يسهل الافتراش على سطح الكره إذا عظم جرمها و تباعدت أطرافها و لكن لا يتم الافتراش و لا المشي عليها ما لم تكن ساكنه في حيزها الطبيعي و هو وسط الأفلاك و إليه الإشارة بقوله تعالى اَللّٰهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرٰاراً لأن الثقال بالطبع تميل إلى تحت كما أن الخفاف تميل بالطبع إلى فوق و الفوق من جميع الجوانب ما يلي السماء و التحت ما يلي المركز. و منها ما به من الله علينا و هو أن لم يجعلها في غاية الصلابة كالحديد و الحجر لكي تنفصل عنها مادة الأغذية و يتأتى حفر الآبار و إجراء الأنهار و لا في غاية اللين و الانغمار كالماء ليسهل النوم و المشي عليها و أمكنت الزراعة و اتخاذ الأبنية منها.
و منها أن لم تخلق في نهاية اللطافة و الشفيف ليستقر عليها الأنوار و يتسخن منها فيمكن جوازها. و منها أن جعلها بارزة بعضها من الماء مع أن طبعها الغوص فيه لتصلح لتعيشنا - و تعيش ما يحتاج إليه من الحيوانات البرية عليها و سبب انكشاف ما يبرز منها و هو قريب من الرابع إن جعلها الله بواسطة هبوب الرياح و جري الأنهار و تموج البحار غير صحيحة الاستدارة بل جعلها و الماء الذي يجاورها بحيث إذا انجذب الماء بطبعه - إلى المواضع الغائرة و المنخفضة منها بقي شيء منها مكشوفا و صار مجموع الماء و الأرض بمنزلة كرة واحدة يدل على ذلك فيما بين الخافقتين تقدم طلوع الكواكب و غروبها للمشرقيين على طلوعها و غروبها للمغربيين و فيما بين الشمال و الجنوب - ازدياد ارتفاع القطب الظاهر للواغلين في الشمال و بالعكس للواغلين في الجنوب و تركب الاختلافين للسائرين على سموت تكون بين السمتين إلى غير ذلك من الأعراض المختصة بالاستدارة كأحوال الخسوفات و الكسوفات و اختلاف آنات ابتدائها و انتهائها في الأخذ و الانجلاء بالقياس إلى أهل البقاع فابتداء خسوف معين بالقياس إلى موضع أول الليل و بالقياس إلى آخر بعده بساعة و بالقياس إلى آخر بساعتين و بالقياس إلى آخر ربع الليل أو ثلثه أو نصفه أو غير ذلك على نسبة مضبوطة بحسب تباعد المواضع بعضها عن بعض طولا و عرضا و يستوي في ذلك راكب البر و راكب البحر. و منها الأشياء المتولدة منها كالمعادن و النبات و الحيوان. و منها جذبها للماء من السماء لقوله وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنّٰاهُ فِي الْأَرْضِ . و منها العيون و الأنهار العظام التي فيها لقوله تعالى وَ الْأَرْضَ مَدَدْنٰاهٰا . و منها انصداعها بالنبات و غيره وَ الْأَرْضِ ذٰاتِ الصَّدْعِ . و منها حياتها و موتها ليستدل بها الإنسان على موته و نشره تارة أخرى لقوله وَ آيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنٰاهٰا و قوله فَأَحْيَيْنٰا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا كَذٰلِكَ النُّشُورُ و قوله فَانْظُرْ إِلىٰ آثٰارِ رَحْمَتِ اللّٰهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا إِنَّ ذٰلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتىٰ - وَ هُوَ عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ و قوله وَ مِنْ آيٰاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خٰاشِعَةً فَإِذٰا أَنْزَلْنٰا عَلَيْهَا الْمٰاءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيٰاهٰا لَمُحْيِ الْمَوْتىٰ إِنَّهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . و منها تولد الحيوانات المختلفة وَ بَثَّ فِيهٰا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ بعضها للأكل وَ الْأَنْعٰامَ خَلَقَهٰا لَكُمْفِيهٰا دِفْءٌ وَ مَنٰافِعُ وَ مِنْهٰا تَأْكُلُونَ و بعضها للركوب و الزينة وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغٰالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهٰا وَ زِينَةً و بعضها للحمل وَ تَحْمِلُ أَثْقٰالَكُمْ إِلىٰ بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بٰالِغِيهِ إِلاّٰ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ و بعضها للتجمل و الراحة وَ لَكُمْ فِيهٰا جَمٰالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ و بعضها للنكاح وَ اللّٰهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوٰاجاً و بعضها للملابس و البيت و الأثاث وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعٰامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهٰا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَ يَوْمَ إِقٰامَتِكُمْ - وَ مِنْ أَصْوٰافِهٰا وَ أَوْبٰارِهٰا وَ أَشْعٰارِهٰا أَثٰاثاً وَ مَتٰاعاً إِلىٰ حِينٍ . و منها نشو النباتات المتنوعة وَ أَنْبَتْنٰا فِيهٰا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ فاختلاف ألوانها آية و رحمة و اختلاف روائحها هداية و لطف فمنها قوت البشر و منها قوت البهائم - كُلُوا وَ ارْعَوْا أَنْعٰامَكُمْ ... مَتٰاعاً لَكُمْ وَ لِأَنْعٰامِكُمْ . و منها الطعام و الإدام و منها الدواء - و منها الفواكه يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَ الزَّيْتُونَ - وَ النَّخِيلَ وَ الْأَعْنٰابَ وَ مِنْ كُلِّ الثَّمَرٰاتِ و منها الكسوة للإنسان نباتية كالقطن و الكتان - و حيوانية كالشعر و الصوف و الإبريسم و الجلود و منها الأحجار المختلفة لونا و صفاء وَ مِنَ الْجِبٰالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوٰانُهٰا وَ غَرٰابِيبُ سُودٌ فبعضها للزينة و بعضها للأبنية فانظر إلى الحجر الذي يستخرج منه النار مع كثرته و انظر إلى الياقوت الأحمر مع عزته ثم انظر إلى كثرة النفع بذلك الحقير - و قلة النفع بذلك الخطير. و منها ما أودع فيها من المعادن الشريفة كالذهب و الفضة ثم تأمل أن البشر استنبطوا - الحرف الدقيقة و الصنائع الجليلة و استخرجوا السمك من قعر البحر و استنزلوا الطير من أوج الهواء لكن عجزوا عن اتخاذ الذهب و الفضة و الحكمة فيه أن معظم فائدتهما يرجع إلى الثمنية و هذه الفائدة لا تحصل إلا عند العزة و الندرة و القدرة على اتخاذهما تبطل الحكمة - فلذلك ضرب الله دونهما بابا مسدودا و لهذا اشتهر في الألسنة أن من طلب المال بالكيميا أفلس.
و منها أن لها طبع الكرم و السماحة تأخذ حبة واحدة و ترد سبعمائة كما ذكر في القرآن. و اختلفوا من طريق النقل في أن السماء أفضل من الأرض أم الأرض من السماء فقال بعضهم السماء أفضل لأنها معبد الملائكة و ما فيها بقعة عصي الله فيها لأن أهلها معصومون عن الخطاء و العصيان و لما أتى أبونا آدم بتلك المعصية أهبط من الجنة - و قال تعالى :لا يسكن في جواري من عصاني و قال وَ جَعَلْنَا السَّمٰاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَ هُمْ عَنْ آيٰاتِهٰا مُعْرِضُونَ و قال تَبٰارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمٰاءِ بُرُوجاً و غير ذلك من الآيات الدالة على تعظيمها و تعظيم ما فيها و قال آخرون الأرض أفضل لأنه تعالى وصف بقاعا بالبركة قال تعالى إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّٰاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبٰارَكاً و قال سُبْحٰانَ الَّذِي أَسْرىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بٰارَكْنٰا حَوْلَهُ و قال مَشٰارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغٰارِبَهَا الَّتِي بٰارَكْنٰا فِيهٰا و المراد بها الشام و وصف جملة الأرض بالبركة - وَ بٰارَكَ فِيهٰا وَ قَدَّرَ فِيهٰا أَقْوٰاتَهٰا فإن قيل و أي بركة في المفاوز المهلكة قلنا إنها مساكن خلق لا يعلمهم إلا الله فلهذه البركات قال وَ فِي الْأَرْضِ آيٰاتٌ لِلْمُوقِنِينَ . و التحقيق أن زينة السماء بالكواكب و زينة الكواكب بالملائكة الروحانيين - و زينة الأرض بالصور و النفوس الحيوانية و زينتها بالأرواح الإنسية المستخدمة إياها و زينتهم بالمعارف الإلهية التي شاركوا بها الملائكة المقربين و ظاهر السماء أشرف من ظاهر الأرض و باطنهما بالعكس لأن الغاية أشرف العلل كما مر و من منافع الأرض أنها كالصدقة و الدرة المودعة فيها آدم و أولاده ثم علم الله أصناف حاجاتهم فقال :يا آدم - لا أحوجك إلى شيء غير هذه الأرض التي هي لك كالأم قال أَنّٰا صَبَبْنَا الْمٰاءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا الآية وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرٰاتِ رِزْقاً لَكُمْ :يا عبدي إن أعز الأشياء عندك الذهب و الفضة و لو أني خلقت الأرض منهما هل كان يحصل منها هذه المنافع ثم إني جعلت هذه الأشياء لأجلك في الدنيا مع أنها سجن لك فكيف الحال في الجنة
الفصل (15) في بدائع صنع الله في الأجرام الفلكية و الأنوار الكوكبية
فإذا علمت أنموذجا من منافع الأرض فارفع الآن رأسك إلى السماء و انظر و تفكر في كيفية خلق السماوات و في كواكبها و في دورانها على نسق و انتظام و في طلوعها و غروبها و اختلاف مشارقها و مغاربها و دءوب شمسها و قمرها و مشتريها و زحلها في الحركة على الدوام و سعيها في عشق الله و طلب لقائه من غير فتور و لا تقصير و لا تغيير في المسير بل يجري جميعها في منازل مقدرة بحساب مضبوط و كتاب مرقوم و أجل معلوم كما قال وَ الْقَمَرَ قَدَّرْنٰاهُ مَنٰازِلَ لا يزيد على ذلك و لا ينقص إلى أن يطويها الله طي السجل للكتب. فتدبر أيها العارف عدد كواكبها و كثرة دراريها و اختلاف ألوانها ثم انظر كيفية أشكالها مع أن ألوانها ليست من جنس هذه الألوان المستحيلة الفاسدة و أشكالها أرفع نمطا من هذه الأشكال و كذا طعومها و روائحها و أصواتها على وجه أعلى و أشرف مما يلينا من هذه المحسوسات لكونها نازلة إلى الأرض منها فهي هناك ألطف و أصفى و أبسط و ما من صورة على وجه الأرض إلا و لها المثل الأعلى في السماوات و ما من كوكب إلا و لله حكم كثيرة في خلقه و صورته ثم في مقداره و شكله ثم في وضعه و نسبته إلى كوكب آخر و قربه و بعده من وسط السماء و قس تلك الحكم التي فيها على الحكم التي روعيت في أعضاء بدنك مع حقارته و أمر السماء أعظم و أجل من الإنسان بما لا يحصى - كما قال تعالى أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمٰاءُ بَنٰاهٰا . بل من جملة ما في عالم الأرض و قس التفاوت فيما بينها من عجائب الترتيب - و حسن النظام و بديع الفطرة على التفاوت فيما بينهما في المقدار و اللطافة.
أما تأملت يا عارف في ملكوت السماوات و ملكها و ما فيها من الكواكب و قوام جوهرها و إشراق نورها و طاعتها للباري في الحركات عشقا و شوقا إلى المبدع - أ ما تسمع كلام الله في تعظيمها و تعظيم النجوم في كتابه فكم من سورة ذكر فيها عظم أمر السماء و جلالة قدرها و كم أقسم بها في القرآن كقوله تعالى وَ الشَّمْسِ وَ ضُحٰاهٰا وَ الْقَمَرِ إِذٰا تَلاٰهٰا و قوله وَ النَّجْمِ إِذٰا هَوىٰ و قوله فَلاٰ أُقْسِمُ بِمَوٰاقِعِ النُّجُومِ وَ إِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ثم أثنى على المتفكرين فيها وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ و ذم المعرضين عن التدبر فيها وَ هُمْ عَنْ آيٰاتِهٰا مُعْرِضُونَ و جعلها سَقْفاً مَحْفُوظاً و رَفَعَ سَمْكَهٰا و حفظها من ولوج الشياطين لكونها معبد الملائكة و موضع القدس و الطهارة و أهلها أهل التسبيح و التقديس لا يدخل مسجدهم الحرام أرجاس الكفر و أوساخ الشرك من النفوس الخبيثة الشيطانية كما لا يدخل المشركون الأنجاس مساجد الأرض كما قال إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاٰ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ فانظر إلى ملكوت السماء لترى عجائب العز و الجبروت و أطل فكرك في الملك فعسى أن ينفتح لك أبواب السماء فتدخل الجنة و تخرج إلى عالم النور من هذه الهاوية المظلمة فتجول بقلبك في أقطارها إلى أن تقوم بين يدي عرش الرحمن فعند ذلك نرجو لك أن تبلغ رتبة الأقصى - و لا يكون ذلك إلا بعد مجاوزتك عن مراتب العالم الأدنى ثم الدلائل الدالة على شرف عالم السماء أكثر من أن تحصى و كذا منافعها بالقياس إلى الإنسان. فمنها ما أشار إليه سبحانه من أن خلقها مشتمل على حكم بليغة و غايات صحيحة بقوله رَبَّنٰا مٰا خَلَقْتَ هٰذٰا بٰاطِلاً و قوله وَ مٰا خَلَقْنَا السَّمٰاءَ وَ الْأَرْضَ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا بٰاطِلاً ذٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا و منها أن زينها بالمصابيح لقوله وَ لَقَدْ زَيَّنَّا السَّمٰاءَ الدُّنْيٰا بِمَصٰابِيحَ و بالقمر
وَ جَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً و بالشمس وَ جَعَلَ الشَّمْسَ سِرٰاجاً . و منها أن سماها سقفا محفوظا و سبعا طباقا و سبعا شدادا. و منها أن جعلها مصعد الأعمال و مرتقى الكلمات الطيبات و هي النفوس الكاملة بالعلم و العمل لقوله مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهٰا ثٰابِتٌ وَ فَرْعُهٰا فِي السَّمٰاءِ و قوله إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصّٰالِحُ يَرْفَعُهُ . و منها أنها قبلة الدعاء و محل الضياء و السناء و منها أهبط الله الأنوار و الألوان - إلى عالم الأرض و جعل ألوانها أحسن الألوان و أشكالها أحسن الأشكال و أصواتها أحسن الأصوات و نعماتها ألذ النعمات و جميع كيفياتها أحسن الكيفيات و أمكنتها أعلى الأماكن لارتفاعها عن الأضداد و أمنها من الفساد و منافع للعباد. و منها أن جعلها علامات يهتدى بها في ظلمات البر و البحر و إن قيض للشمس طلوعا - فسهل معه التقلب لقضاء الأوطار في الأطراف و غروبا يصلح معه الهدوء و القران في الأكناف - لتحصيل الراحة و انبعاث القوة الهاضمة و تنفيذ الغذاء إلى الأعضاء و للهرب عن الأعداء - كما قال وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبٰاساً وَ جَعَلْنَا النَّهٰارَ مَعٰاشاً و قال وَ جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً و أيضا لو لا طلوع الشمس لانجمدت المياه و غلبت البرودة و الكثافة و أفضت إلى جمود الحرارة الغريزية و انكسارها و لو لا الغروب لحميت الأرض حتى يحترق كل من عليها من حيوان فهو بمنزلة سراج يوضع لأهل بيت بمقدار حاجتهم ثم يرفع عنهم ليستقروا و يستريحوا فصار النور و الظلمة على تضادهما متظاهرين على ما فيه صلاح قطان الأرض. قيل و هاهنا نكتة كان الله يقول لو وقعت الشمس في جانب من السماء جنوبي أو شمالي فالغني قد يرفع بناءه على كوة الفقير فلا يصل النور إليه لكني أدير الفلك و أسيرها حتى يجد الفقير نصيبه كما وجد الغني نصيبه و أما ارتفاع الشمس و انحطاطها فقد جعله الله سببا لإقامة الفصول الأربعة كما مر ففي الشتاء تغور الحرارة في الشجر و النبات فيتولد منه مواد الأغذية و الثمار و تقوى أبدان الحيوانات بسبب احتقاق الحرارة الغريزية في البواطن و في الربيع يتحرك الطباع و يظهر المواد المتولدة في الشتاء و يتنور الشجر و يورق و يزهر و يهيج الحيوان للفساد - و في الصيف يحتدم الهواء فتنضج الثمار و يتحلل فضول الأبدان و يجف وجه الأرض - و يتهيأ للعمارة و الزراعة و في الخريف يظهر البرد و اليبس فيدرك الثمار و تستعد الأبدان قليلا قليلا للشتاء و أما القمر فهو تلو الشمس و خليفتها و به يعلم عدد السنين و الحساب و يضبط المواقيت الشرعية للصلاة و الصيام و الحج و منه يحصل النماء و الرواء و قد جعل الله في طلوعه و غيبته و تشكلاته البدرية و الهلالية مصلحة كثيرة لا يعلمها إلا هو. قال الجاحظ إذا تأملت في هذا العالم الذي نحن الآن فيه وجدته كالبيت المعد فيه كل ما يحتاج إليه فالسماء مرفوعة كالسقف و الأرض ممدودة كالبساط و النجوم منضودة كالمصابيح و الإنسان كمالك البيت المتصرف فيه و ضروب النبات مهياة لمنافعه و صنوف الحيوان منصرفة في منافعه. و إني أقول إذا تأملت في عالم السماء بعظمها و كثرة كواكبها وجدت بيتا معمورا من بُيُوتٍ أَذِنَ اللّٰهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ فيها أصناف العابدين فمنهم سجود لا يركعون و منهم ركوع لا ينتصبون و مسبحون لا يسأمون لا يغشاهم نوم العيون و لا فترة الأبدان و لا غفلة النسيان و ليس من شرط الدار أن لا يكون جسمانيا ذات حياة قال تعالى وَ إِنَّ الدّٰارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوٰانُ و ليس من شرط عمارة البيت المعمور - أن يكون بالطين و الحجر و الخشب قال تعالى إِنَّمٰا يَعْمُرُ مَسٰاجِدَ اللّٰهِ مَنْ آمَنَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ أَقٰامَ الصَّلاٰةَ بل و لا يشترط أن يكون بيت العبادة جسمانيا فكل ما يقوم فيه العبادة و الذكر و التسبيح و التقديس فهو بيت عبادة. فانظر إلى صنع الباري جل ذكره كيف بنى السماء و جعلها معبدا للملائكة المسبحين المهللين الذاكرين الله و أمسكها من غير عمد ترونها و من غير حبل أو علاقة يتدلى بها - و العجب ممن لا ينظر و لا يتأمل في صنع بيت تولى الله بنيانه بقدرته و انفرد بعمارته و زينه بأصناف الزينة و صوره بأنواع التصاوير ناسيا ذكر ربه بسبب نسيان نفسه و عدم حضور قلبه مشتغلا ببطنه و فرجه ليس له هم إلا هم شهوته أو حشمته. و العجب منه أنه متى دخل بيت غني فيراه مروقا بالصبغ مموها بالذهب - فلا ينقطع تعجبه و لا يزال يصف حسنه و يثني على من صنعه و صوره و تراه غافلا عن بيت الله العظيم و عن ملائكته الذين هم سكان سماواته فلا يلتفت إليه بقلبه و لا يعرف من السماء إلا بقدر ما يعرف البهيمة أن فوقها سطحا أو بقدر ما يعرف النملة من سقف بيته - و لا يعرف من ملائكة السماوات و لا من تصاويرها العجيبة إلا بقدر ما يعرف النملة من نفوس سكان البيت و نقوش تصاويرهم في حيطانه فما هذه الغفلة العريضة و ما هذا النوم الغالب على أكثر الناس و السكر العظيم و الجهل المفرط و الشقوة المحيطة بهم فهلم أيها العارف نسبح و نقدس لربنا - فهلم يا أخا الحقيقة نقوم بالتهليل و التكبير ندعو قيم العالم و ناظم الملك و الملكوت - و رابط الناسوت باللاهوت و صاحب الكبرياء و الجبروت بقلب كئيب حاضر و لسان ذاكر و صدر منشرح بنور الذكر و المعرفة و دمع ساكب فبادر يا عارف بروح شيقة و نفس زكية عاشقة لربها راجعة إليه حتى تنادي ربنا نداء خفيا و نتضرع إليه في ظلم الليالي و ندعوه دعاء المحبين المتأوهين و نداء الخاشعين و نتضرع إليه تضرع المشتاقين و خضوع المحتاجين المتذللين سبحانك لا إله إلا أنت خلصنا من عذاب نار الفرقة و ألم القطيعة يا محيي الأموات و باعث الأرواح من القبور الدارسات و معطي الخيرات و منزل البركات - أفض على نفوسنا لوامع بركاتك و على أرواحنا سواطع خيراتك يا من إذا تجلى لشيء خضع له يا من رش من نوره على ذوات مظلمة و هياكل غاسقة في ليال مدلهمة - فنورها و صورها و شوقها إلى جماله و ساقها إلى طلب لقائه يا من قذف بشعلة شوقه على السماوات فهيجها و رقصها و دورها و كل من فيها بالتعشيق و طوفها أسبوعا في كل سبعة آلاف سنة حول البيت العتيق خلصنا بنورك عن ظلمات القبور و لا تعذب أرواحنا بعلائق أشباح عالم الزور و معدن الغرور و ثبت أقدامنا على المنهج الأبلج القويم و الصراط الحق المستقيم إنك أنت الجواد الكريم و البر الرحيم.
فهذا أنموذج من دقائق عناية الله و لطفه في المخلوقات الظاهرة فإنه لا مطمع لأحد في معرفة دقائق أسرار اللطف و الرحمة في عالم غيبه و ملكوته الأعلى و لا في استقصاء بدائع الصنع و الحكمة في الموجودات التي تلينا في أعمار طويلة لأن علوم العلماء نزر حقير بالقياس إلى ما عرفه الأنبياء و الأولياء ع و ما عرفوه قليل بالإضافة إلى ما عرفه المقربون من الملائكة و العليون من الإنس عند قيامهم عند الله ثم جميع علوم الملائكة و الجن و الإنس إذا أضيف إلى علم الله لم يستحق أن يسمى علما بل هو إلى أن يسمى دهشا و حيرة و عجزا و قصورا أقرب من أن يسمى معرفة و حكمة إذ الحكمة بالحقيقة معرفة الأشياء كما هي عليه و قد سبق أن العلم بكل شيء بالذات هو نحو وجوده و لا يحيط بالأشياء إلا مبدعها و موجدها فلا حكيم بالحقيقة إلا الله وحده و إطلاق الحكمة و المعرفة على غيره بضرب من المجاز و التشبيه و لهذا خوطب الكل بقوله تعالى وَ مٰا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّٰ قَلِيلا
تبیین براهین های اثبات خدا، ص 38
ذکر : چنان که در متن کتاب خواهد آمد ، برهان نظم براي اثبات ذات واجب اقامه نمي شود ؛ ليکن فخر رازي از برخي چنين نقل کرده است که « بررسي احکام و اتقان مشهودِ در آسمان ها و زمين ، به ويژه در ترکيب بدن انسان و منافع فراوان و بدائعي که در او به وديعت نهاده ، مايه شهادت فطرت هر انسان فرزانه اي به اين است که آن ، جز از تدبير حکيم عليم صادر نخواهند شد و اين روش بر ذات و عالم بودن او دلالت دارد » . 2
ليکن همان طور که قبلاً تحرير شد ، برهان نظم ، هرگز بدون استمداد از براهين ديگر ، توان اثبات ذات واجب را ندارد . آري کسي که حدوث را علت حاجت به سبب مي پندارد و با حدّ وسط قرار دادن آن واجب را اثبات مي کند ، با چنين تفکري برهان نظم را براي اثبات واجب نيز کافي مي پندارد . البته خود فخر رازي ، نه حدوث را به تنهايي سبب نياز به مبدأ مي داند و نه امکان را به تنهايي کافي مي داند ، بلکه سبب حاجت به مبدأ را « امکان » به شرط حدوث مي داند و اين روش را قوي مي پندارد . 3
ص 137
مفهوم نظم و اقسام آن
فلاسفه اسلامي در حکمت اشراق ، مشاء يا متعاليه از برهان نظم براي اثبات ذات واجب استفاده نکرده اند و تعبيراتي که به آن اشاره شد نيز در باب وحدت ، علم و ديگر اوصاف الهي است . اگر چه صفات ذاتي واجب عين ذات او بوده و از آن جدا نيست ، اما مغايرت مفهومي آن ها زمينه استدلال و بحث ويژه و مختص به هر يک از آن ها را فراهم مي آورد .
عدم استفاده حکماي اسلامي از برهان نظم براي اثبات ذات واجب ، به دليل محدوديتي است که اين برهان در ذات خود داراست . اگر تعريف برهان نظم و محدوده آن تبيين شود و نتايجي که از آن گرفته مي شود ، در حوزه مبادي ، اصول موضوعه و حد وسط آن باشد ، هم برهان نظم از بسياري مغالطات مصون مي ماند و هم زمينه بسياري از انتقادات و اشکالاتي که بر آن وارد مي شود ، از بين مي رود .
برهان نظم در نظر دو فیلسوف معاصر(استاد مطهری، استاد جوادی املی)